-A +A
زياد بن عبدالله الدريس
يخطئ من يظن بأن ميزة منطقة عسير هي مناخها الـ«بارد ممطر صيفاً» فقط.

يهيمن هذا الامتياز على ذهنية إنسان الجزيرة العربية حين يتلظى بحرارة الصيف اللاهب، فيتذكر بأن ثمة (برّادة) في جنوب غرب هذا (الفرن) القائظ!


في عسير أشياء أخرى عديدة جاذبة، غير البراد والمطر، ففيها: التاريخ والجغرافيا والآثار والإنسان.

في سراة عبيدة رأيت (قرية آل خلف) الأثرية التي تحكي صمود أهلها أمام الغزو التركي في قصص بطولية تشبه الخيال.

وفي أحد رفيدة زرت مركز آل زلفة الثقافي والحضاري الذي شيده الخبير الدكتور محمد آل زلفة وأثراه من وقته وماله ومقتنياته ما جعله وجهة لزائري المنطقة.

وفي أبها، درة عسير وواسطة عقدها، ستكتشف عناد (قرية النُصْب) التي قاومت التمدد العمراني، وبقيت في وسط أبها كأنها (معلبة) مئات السنين ثم أُخرجت من علبتها الآن بعد أن جاءها الوعد بالصون والترميم قريباً كما يفيد راعيها الدكتور عبدالرحمن آل مفرح.

وليس بعيداً عن أبها، يمكنك التعرف على قرية طبب التاريخية حيث ستجد ملامح راسخة من إسهام الإنسان العسيري في توحيد هذه البلاد المباركة عبر الإسناد (المتحمي) للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

أما قرية رجال ألمع الشهيرة فلن تحتاج إلى أحد كي يفطّنك إلى زيارتها فهي تفرض نفسها عبر صيتها الذائع معمارياً، وأهلها الموهوبين شعراً وروايةً وغناءً ورقصاً ورسماً ونقشاً.

وفي النماص حيث القمم العالية والسحاب الهابط على رؤوس المشاة، ستنشغل عن البحث عن الآثار والتاريخ بمطاردة الضباب الذي ستجده يمشي بجوار الناس في (ممشى الضباب) وقد تحول إلى كائن أرضي لا سماوي علوي!

في مدينة سبت العلايا من (بلقرن) يجب أن تتريث وتتوقف كثيراً، ليس فقط لأن المدينة كبيرة أو لأن قريتها التاريخية زاخرة بالمعالم الصامدة، ولكن لأنك حتماً ستتذكر صديقاً أو زميلاً (قرنياً) يعمل في القاهرة أو باريس أو طوكيو تتصل به لتقول إنك في ديرة أهله، فالقرنيون جُبلوا على النجاح والتميز ثم الانتشار.

بقي أن أختم جولتي هذه بالعودة قليلاً بغرض الاستقرار بين أحضان (تنومة).. «ملكة جمال عسير».

وللذين يسألونني لماذا جعلتها ملكة جمال المنطقة، فإنني لا أملك جواباً واضحاً، فكثيرٌ من الجمال لا يمكن تبريره أو تفسيره، تماماً مثل ما يجري في مسابقات اختيار ملكات الجمال!

في تنومة المناخ المعتدل الجميل، ولكنه كذلك في بقية أنحاء عسير.

في تنومة الإنسان الشهم الكريم، ولكنهم كذلك في بقية أنحاء عسير. وإن تزينت تنومة بوجود العم دحدوح (فايز بن عبدالله الشهري) الذي اشتهر بخيمته وبيته ومتحفه التاريخي، وضيافته الكريمة لزوار تنومة بشعبياته من الطقوس والأطباق والحكايات والأهازيج.

في تنومة العراقة والتاريخ وآثار مقاومة أبطال بني شهر للغزاة الأتراك، ولكن هذا التاريخ البطولي موجود أيضاً في بقية أنحاء عسير.

حسناً، دعوني أُجرِ محاولة أخيرة لتبرير اختيار ملكة الجمال:

تنبسط تنومة بين مجموعة من الجبال التي ليست كسائر الجبال، إذ يبدو كل واحد منها كأنه لوحة فنية، بل أربع لوحات فنية، فلكل وجهة من الجبل تكوينٌ هندسي تكعيبي متفرد، ما يجعلك تُمضي أياماً في تنومة وأنت تشعر بأنك ما زلت ترى فيها جبالاً جديدة تولد كل يوم.

وجدتها.. وجدتها!